Top Ad unit 728 × 90

مسيرة الدموع:



مسيرة الدموع:

أنزل الليل ستاره على أفق المدينة، وغرقت شوارعها بالظلام..
كان الحُزن يُخيم عليها، فالأعلام السوداء ولافتات كتبت عليها عبارات العزاء تصطف على جوانب الطُرق..
الرجال والنساء والأطفال يسيرون والحُزن بادٍ على وجوههم وقد وشحهم السواد، وأصوات مُكبّرات الصوت يتردد صداها من المواكب الحُسينيّة، وبعض السيّارات ـ حتى التابعة للشرطة منها ـ ترفع الصوت بقصائد الرثاء التي عُرف بها أهل العراق في ندبهم للإمام الحُسين (ع)، حيث تُقرأ الأبيات على إيقاع قرع الصدور بالأكف، فهل كان يوم عاشوراء هذا..؟
إنها مدينة ‫#‏النجف_الأشرف‬ تُحيي ذكرى استشهاد وليِّ أمر المسلمين، وزعيم الحوزة العلميّة آية الله العظمى ‫#‏السيد_الشهيد_محمد_الصدر‬ (قدس سره) ونجليه العزيزين (السيد مصطفى الصدر) و (السيد مؤمل الصدر)، الذين اغتالهما النظام البعثي البائد قبل ثمانية عشر عاماً من تاريخ يوم أمس.
وما زاد المشهد حُزناً هو ظهور نجله السيد مقتدى الصدر (أعزه الله) وسط الجماهير متوشحا بالسواد ليقرأ قصيدة بذكرى رحيل والده، تفجرت لها بالدموع عيون الرجال والنساء والأطفال، لتختلط دموعهم بقطرات الشمع الذائبة بأيديهم.
ثمانية عشر عام وجذوة الحزن لازالت مُتقدة في النفوس، وحرارة فقده تستعر في القلوب، ولست أعجب من بكاء النساء وندبهن للمرجع الشهيد، ولا حتى لبكاء الرجال مع ما أن الدموع على خد الرجل مذمومٌة في مجتمعنا الذكوري الذي يرى أنّها صفة لا تليق إلا بالمرأة الضعيفة.


نعم لستُ أستغرب من بكاء الرجال والنساء لفقد الصدر الشهيد ولكن ما يُحيرني حقّاً هو عويل الأطفال الذين لم يروا الصدر أو يعيشوا أيامه المباركة الخالدة، وهم حتى إن رأوه بهذا السن الطفولي فمن غير المعقول أبداً أن يعرفوا معنى فقد المرجع وأهمية وجوده في المجتمع، فكيف إذا كان هذا المرجع قد رحل عن هذه الدُنيا وهم لايزالون يتقلبون في عوالم الغيب..؟
بالأمس شاهدتُ أسرة من أبٍ وأم ومعهم بنتين وولد، كان الأب يبكي، والأم وابنهم وبناتهم ـ كلهم يبكون وهم يسيرون باتجاه المرقد الطاهر ـ لكن ما استلَّ من جفني دمعة أحرقت وجنتي هو عويل طفل معهم ربما يكون عمره خمسة سنين وهو يُدلي برأسه على كتف أمه التي كانت تحمله.
كانت الصورة مفجعة حقاً فهو يبكي بمرارة كما اليتيم وهو يستمع ـ عبر مكبرات الصوت ـ إلى الخطيب الذي كان ينعى السيد الشهيد.
صورة أخرى هزّتني وأنا أسير وسط زحام الزائرين الذين كانوا يقرعون الصدور ويرددون أبيات الرثاء الحزينة فبينما نحن كذلك وإذا بمجموعة من الشباب المجاهدين يضعون على صدورهم شعار سرايا السلام ويجلسون حول طاولة تبرعات، وبين أيديهم وصولات القبض، وما أن شاهدوني حتى نهضوا من أماكنهم مُرحبين بي، وابتدرني أكبرهم سناً بالسلام والترحاب، والتعزية بفقد مرجعنا الشهيد، لتقفز من عينه دمعة وهو يقول:
(تعال يا شيخنا وأنظر إلى وصولات التبرّع كلها كتبت باسم السيد الشهيد وأولاده الشهداء، لقد نسي المتبرعون أسمائهم ليضعوا اسم الصدر وأبنائه على وصولات التبرعات لسرايا السلام.
جلست لأستريح عند موكب (خدّام آل محمد) لأهالي قضاء الحمزة الغربي، ليتحدثوا عن أنهم مضى عليهم ستة أيام يرابطون على الطريق المؤدي إلى مرقد السيد الشهيد ونجليه، لتوزيع الطعام والشراب، وهم فرحين مسرورين بهذه الخدمة، فأحدهم أخبرني أنهم قدّموا وجبة لعشرة آلاف زائر في يوم مسيرة الشموع فقط، وكان السيد علي آل يحيى ـ صاحب التنكر المرابط معهم ـ تعباً جداً ومرهقاً، فرحتُ أمازحه أنني سأكتب مقالاً عن المسيرة وأذكر فيها الموكب ولن أذكره..
شاب جلس أمامي وقال بحُزن: كُنت فقيراً معدماً وأنا طبّاخ معروف، فنذرت إن تمكنت من الحصول على أدوات الطبخ أن آتي بهذه المناسبة وأطبخ لزوار السيد الصدر، والحمد لله أصبح لي محل وكل مستلزمات الطبخ التي تستخدم للمناسبات، وها قد جئت أفي بنذري.
ثم تلعثم بكلماته وهو يقول: أنا لستُ صدريّاً رُغم حُبي للصدر، وقد تعبت من العمل فأنا منذ ستة أيام وأنا أطبخ ثلاثة وجبات يومياً كل وجبة تطعم ما يقارب الألف إنسان، وكلما هممت بالمغادرة وعبرت الشارع أرفع رأسي لأرى صورة السيد الشهيد وكأنه ينظر إليَّ فأخاف وأعود لخدمة زوّاره..!!

فهل أنت الحُسين يا محمد الصدر لتفعل بالناس كل هذا..؟
وهل يومك هو ساعة اقتطعت من يوم عاشوراء الدامي لتمتلك قلوب ومشاعر كل هذه الملايين من الناس..؟
مَن أنت يا سيدي..؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عبد الجليل النداوي.
حرر في الذكرى السنوية الثامنة عشرة لاستشهاد ولي أمر المسلمين السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره)
بتاريخ 8/ 8/ 2016م



مسيرة الدموع: 1 on 3:36 م 5

ليست هناك تعليقات:

شاهد الفيديوهات والاناشيد على قناتنا في اليوتيوب. شاهد الأن !
العراقي. يتم التشغيل بواسطة Blogger.