Top Ad unit 728 × 90

مات الناشط المدني

مات الناشط المدني
بقلم الكاتب: صبرائيل الخالدي
فكرة "الناشط المدني" و منظمات المجتمع المدني مستوردة من الغرب، واستيراد الافكار ليس مشكلةً كما هو معلوم، بل أننا في دول العالم الثالث الأحوج لاستيراد التجارب الناجحة من "الدول المتطورة" .. بدون عمليات الاستيراد هذه .. سنضيع الكثير من الوقت والجهد في البحث عن المبحوث سلفاً في أمم سبقتنا .. المشكلة تكمن [بالتحديد] في استيراد التجربة مع مضامينها ومصاديقها ..
يتابع "الناشط المدني" و يسمع عن الحياة في أوروبا بحسرة، يلاحظ تجربة المنظمات المدنية، فيقرر أن يستوردها، وهو في حالة الإنبهار والدهشة والحسرة..يقرر أن يستورد التجربة بمضامينها .. فيملئ "گونيته" بالهموم الحالية للمجتمع الأوروبي، يبسّط بها في باب الشرجي ويصيح : "حرياات .. حرية مرأة .. خصخصة ..الحاد .. مثليّة .. عرگ .. عرگ .. اسرائيل .. ملاهي .. علمانية ع السچين .." فلا يشتري منه أحد، يلعن المجتمع المتخلف، و يلمّ خردواته ويذهب الى شارع المتنبي ويطرحها على الرصيف مجدداً وينادي : "وينه المثقف .. وينهم الكشاخة ..هموم أوروبية يا ولد .." فيأتي الكشاخة .. هذا يحمل قبعة المثليّة الأوروبية ..يتكشخ بها قليلاً.. ذاك يكتري راية الدفاع عن العرگ .. يخفق بها ثم يعيدها .. وهكذا .. ينتهي النهار ويكتشف هذا المستورد المنبهر المستعجل .. أنه كمن استورد محطة كهرباء غازية لبلد [بالكاد] نفطي.
لا يكمن الخلل في القضايا والهموم المستوردة بذاتها، بل على العكس .. هي قضايا في صميم تطلعات أي شعب .. الخلل يكمن في كسل الناشط وعشقه للمعلبات والوجبات السريعة وهي وجبات غير مغذية وأحياناً سامة .. عليك أن تحضر وجبتك الخاصة التي تحتاجها، وعليك من أجل ذلك أن تبذل الجهد والوقت والمتابعة والمطالعة والتأمل في مجتمعك [موضوع نشاطك] .. هذه الهموم الأوروبية هي هموم شعوب غادرت المخاطر الأساسية التي تواجه دولها، وصلت الى الاستقرار السياسي ولم تعد مخاطر التجزئة والحروب الأهلية تهددها .. وعندها انتقلت الى تأسيس جمعيات الرفق بالكلاب الضالة والعناية بأرامل البط والخ ..لا يخشى الألماني أن يستيقظ فيرى جزءاً من بلاده وقد التحق بالنمسا .. كما أن آخر ما قد يفكر فيه الفرنسي أو البرتغالي هو تفتت خارطة البلاد .. هذه الهموم أسندت الى طبقة سياسية مسؤولة ترعى مصالح ووحدة الشعب والأرض .. ما سمح للنشطاء هناك بأن يلتفتوا الى همومهم التي حملها صديقنا المسكين في گونيته ..
طبعاً هذا الكلام غير موجه للأشخاص المعنيين، لأنهم دخلوا في حلقة غسيل دماغ مصحوبة بانبهار بالاكسسوارات الغربية ..الأمر الذي يجعل نقاش الأخطار المحدقة معهم مضيعة للوقت ..
الكلام موجه الى "وجبة" مثيرة للإعجاب ممن اصطلحت عليهم تسمية "ناشط وطني" وهم أشخاص مستقلون يحملون هموم وجود الدولة العراقية قبل شكلها ولونها .. لأنهم يستشعرون خطر زوالها بدعاوى الاندماج تحت ولاية الفقيه الشيعي والفقيه السني العثماني أو الدعاوى الصهيونية لانشاء دول الكنتونات الطائفية والقومية ..
هل الناشط الوطني محلل سياسي ؟
- هو يمارس التحليل السياسي كجزء من أدوات فهم المخاطر ومواجهتها، لكنه ليس من نوعية المحللين السياسيين الذين يعملون باليومية ليقولوا المطلوب على شاشات الفضائيات ..
في النهاية الناشط الوطني يتبنى كل مفردات باقة الهموم الأوروبية .. وهو ليس قديساً .. فهو يريد كذلك أن يسكر، لكنه يهتم أكثر بـ"المكان" الذي يريد أن يرتب فيه "الگعدة" .. المدني يريد أن يسكر أولاً وأخيراً .. ولو كان جالساً يُقندل على دجلة ومرت به كوادر تثبيت الحدود الجديدة، ومررت الشريط الحدودي في منتصف مائدته ..فسيحمل قنينته ويغير مكان جلوسه الى هذا الاقليم او ذاك ولن يعترض مادامت "الحريات مصانة" .. أما الناشط الوطني بهمومه التي يحملها ويقاتل من أجلها ..فهو يستهدف أن يسكر هو وأحفاده [بسلام] في ربوع وطن متماسك متكامل ثري ومتصالح .. تصلح أجواؤه للسكر الفاخر .. !
أكتب الآن متفائلاً بوجبة الشباب هذه .. ربما أربعة أو خمسة سيتضاعفون .. وسيفرضون أنفسهم على الساحة بعمقهم وجهدهم وشعورهم بالمسؤولية الحقيقية .. وسيشغلون منطقة شاغرة .. ويزيحون طبقة الغثاء "المدني" ..
مات الناشط المدني 1 on 9:55 ص 5

ليست هناك تعليقات:

شاهد الفيديوهات والاناشيد على قناتنا في اليوتيوب. شاهد الأن !
العراقي. يتم التشغيل بواسطة Blogger.