الصدريون : الواقع والتحديات
الصدريون : الواقع والتحديات
رعد أطياف
السبت 13 آب 2016
على ماذا ترتكز القاعدة الصدرية في حراكها الاجتماعي والسياسي منذ ظهور السيد محمد محمد صادق الصدر حتى هذه اللحظة ؟ .
وبمعزل عن الولاء العميق لآل الصدر سوف لن نجد مشروعاً واضح المعالم , أو مراكز ثقافية تضع على عاتقها تثقيف هذه الشريحة الكبيرة في المجتمع العراقي خصوصاُ إن أغلب الكتّاب يتحرزّون من ردود الأفعال المتوقعة من قبل الصدريين فيما لو تعرضوا إلى مبضع النقد .
لم نجد كتّاباً مرموقين , أو إعلاميين محترفين على المستوى المرئي والمسموع والمقروء , ولازالت النشاطات الطقسية هي العنصر الأبرز , مثل , واأهازيج الدينية , والتغني والابتهاج بالرمز الديني . ومغادرة تلك الأدبيات الشعبية التي تستند على مخيال شعبيّ وثقافة اجتماعية تتخذ من الشعر الحماسي خطاباً تعبوياً وشكلاً تعبيرياً يتّسم بالبساطة والوضوح , لكنه بديلاً يجري تعميقه على حساب التثقيف الجاد والمثمر , بعد الالتفات على إن أغلب الجماهير الصدرية تفتقر للنخبة المتعلمة التي يمكنها ضبط إيقاع التوجهات الفكرية لدى عموم الصدريين .
لقد كانت الخطوة المهمة التي شرع بها محمد محمد صادق الصدر هي كسر أسطورة التقديس والتبجيل المبالغ بها في المذهب الشيعي , والتركيز على خلق السؤال والإجابة عن الإشكاليات المهمة داخل الوسط الشيعي . ونحن نتكلم عن مرجع ديني تمتع بكاريزما اجتماعية يندر وجودها في أوساط الحوزة الدينية في النجف , إذ قام بحركة مثيرة للجدل في أوساط الحوزة الدينية , بكسر ذلك الإيقاع الرتيب والبارد , من خلال خطابه النقدي اللاذع في بعض الأحيان , وكسر أسطورة الصنمية المتبعة لدى مقلدي الشيعة .
إن النزعة العرفانية التي كان يشير إليها محمد الصدر في كتبه , بالتصريح حيناً , وبالتلميح حيناً آخر , وفي سلوكه الممزوج بالرحمة والشفقة , أكسبته بعداً انفتاحياً على كل طبقات المجتمع ؛ فالعارفون في أدبياتهم السائدة , يرون الخلق كلّهم عيال الله , وراحتهم الكبرى تتمحور في السهر على راحة الخلق . مضافاً إلى ما تتمتع به ذهنيته التحليلية , وما تميّز به فكره بما سمّاه تعدد الاحتمالات , أو تعدد الأطروحات , الذي أعطاه فسحة فكرية لم يكن القارئ المتديّن معتاداً على مثل هذه الفسحة المرنة في ظل خطاب فقهي يتميّز بنزعته الدوغمائية , والحافل بيقينياته المعروفة . لقد كانت حركة اجتماعية قبل أن تكون دينية مقارنة ً بالمنظور الكلاسيكي للحركات الدينية , إذ لا شعارات دينية تتخذ من السلطة غاية لتأسيس حكم الله في الأرض ! , ولا تنظيم سري ولا هم يحزنون ! .
و نظراً للتحديات التي كابدها الصدريون , إبتداءاً من الصِدام الدامي مع الجيش الأمريكي , ومروراً بالسلوكيات السابقة لجيش المهدي , ونهاية بصَولة الفرسان التي قامت بها حكومة المالكي . وأخيراً وليس آخراً اتهام كتلة الأحرار الصدرية بمساهمتها بالفساد كشريك أساس في هذه الحكومة , كل هذا يضع الصدريون أمام تحديات حقيقية للمضيّ قدماً لإصلاح وترميم البيت الصدري من جديد , خصوصاً إننا وجدنا تقارباً لافتاً بينهم وبين المدنيين في الآونة الأخيرة , وهذه علامة بارزة ومؤشر إيجابي بالقياس إلى حركة تنطلق من مؤسسة دينية تشتهر أدبياتها بنفي الآخر المخالف .
والتحديات التي ستواجه الصدريين هوغياب النخبة الثقافية المؤثرة نظراً لحداثة التجربة الصدرية في مضمار السياسة , والتركة الضخمة التي سببتها حالة الصدام المباشر , والانشغال بالتعبئة العسكرية , على حساب الفعل الثقافي والسياسي المٌنَظَم , وغياب المؤسسات الفاعلة في هذا الشأن . إن النسبة الكثيرة من الفقراء والمهمّشين وذوي التعليم البسيط , تشكّل الأغلبية الساحقة للتيار الصدري , وسيكون العمل مضاعفا في هذا الشأن لإعادة البناء ومشاركتهم في المجتمع كفاعلين اجتماعيين .
يكتسب الصدريون مشروعيتهم حينما يعيدون بنائهم بشكل أكثر تنظيماً , ولازال الرأي العام مشكّك بخطواتهم الإصلاحية , ومتى ما أعلنوا انسحابهم الرسميّ من الحكومة , ليندرجوا في سلك المعارضة داخل البرلمان , سيغيرون الكثير من مزاج الرأي العام . ضمن هذا المسعى ستكون القاعدة الصدرية أحد الدفاعات المهمة في المجتمع العراقي (في زمن كثر فيه عابروا الحدود ّ .. ) وغير ذلك سيبقى الصدريون بلا مشروع , أو رؤية واضحة , ما ينعكس سلباً في المستقبل , ويؤدي إلى تآكل هذا التيار بمرور الوقت , وتكثر فيه الإنشقاقات .
ليست هناك تعليقات: